الاثنين، 22 سبتمبر 2014

الرفاهية الاقتصادية فى عصر الظلمات : ابن خلدون العالم الفقيه







كان ابن خلدون عالماً فقيهاً قاضياً من قضاة المالكية، ولن تفلح أيُّ محاولة للتقليل من أهمية فكره الديني، صحيح أنّ ابن خلدون اعتمد منهجية تحليلية تختلف عن المنهجية الفقهية في البحث، إلا أن فكره الإسلاميّ وعلمه الشرعيّ كان واضحاً في معظم أجزاء مقدمته، ولا سيّما في علوم الحديث بشكل خاص كما تقدم. وقد سبق تأكيد هذه الحقيقة من خلال ذكر النصوص القرآنية التي ختم بها ابن خلدون كل فصل من فصول مقدمته؛ وذلك ليؤكد أن أفكاره وتحليلاته مهما كانت تجريدية محايدة فإنها لا تبتعد ولا تنفصل عن الأصول الشرعية المستمدة من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية. ولو نظرنا في الأصول العامة للفكر الاقتصاديّ الإسلاميّ لوجدنا ابن خلدون يؤكد هذه الأصول ويبني أفكاره على هداها.

تتفق المصادر التاريخية والاقتصاديّة على أن الفترة الممتدة من القرن الخامس الميلاديّ إلى القرن الخامس عشر الميلاديّ، التي يطلق عليها "العصور الوسطى،" كانت فترة انحطاط وتخلف في أوروبا؛ مما جعل الكثير من المؤرخيـن يطلق على تلك الفترة "عصر الظلمات."
كما تتفق المصادرُ نفسها على أن تلك الفترة كانت في معظمها فترة تقدم وازدهار وحضارة في العالم الإسلاميّ؛ إذ تقدم المسلمون في كافة المجالات، وبلغ التقدم الاقتصاديّ ذروته في القرنين: العاشر, والحادي عشر الميلادييْن، فقد حقق الأفراد أعلى معدلات الرفاهية في معظم مناطق الدولة الإسلاميّة، وبلغت حركة التأليف والترجمة في كافة العلوم حَدَّاً لم يسبق له مثيل.

وفي المجال الاقتصاديّ ظهرت مؤلفات عديدة, متميزة في موضوعاتها، يمكن اعتبارها البدايات الأولى للدراسة المنظمة في علم الاقتصاد، وقد جاءت مقدمة ابن خلدون في مقدمة هذه المؤلَّفات، من حيث الجوانب الاقتصاديّة فيها, والإضافات إلى الفكر الإنساني في المجال الاقتصاديّ، التي استفاد منها الغربيون كثيراً؛ إذ صنفت مقدمة ابن خلدون في أوروبا في القرن الثامن عشر الميلادي تحت عـنوان: "فلسفة التاريخ." كما أنها عُدَّتْ أول بحث فيما عرف بعد ذلك بـ"علم الاجتماع."ويرى بعض الباحثين أن مقدمة ابن خلدون هي أشبه ما تكون بكتاب آدم سميث "ثروة الأمم،" باستثناء اختلاف الزمان والبيئة؛ إذ يفصل بين الكتابين حوالي خمسمئةعام.

وقد تميزت أفكار ابن خلدون في المجال الاقتصاديّ بالحياد العلمي أو الموضوعية؛ إذْ فُصِلَتْ الدراسة العلمية عن موضوع الحِلِّ والحرمة، كما يعدُّ ابن خلدون من الأوائل الذين حدَّدوا
المشكلات الاقتصادية  تحديدا علميا.

وقد اتبع ابن خلدون ما يسمى في العلوم الاقتصاديّة بالطريقة الديناميكية، التي تقوم على تحليل تتابع المؤثّرات والآثار خلال الزمن؛ إذ يقرر أن تزايد السكان يؤدي إلى تقسيم العمل، وتقسيم العمل يؤدي إلى زيادة الإنتاج، وزيادة الإنتاج يؤدي إلى زيادة الدخول؛ مما يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع الترفيهية، وهكـذا. وهذه الطريقة لم تطبّقْ بصورة علمية في دراسة التطور الاقتصاديّ إلا بعد سنة 1937م.

  محمود خير الدين
                                  باحث اقتصادى اول ببنك فيصل الاسلامى
   القاهرة
18 /5/2012

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة بث تجريبى 2013

تصميم : Modawenon-Team